إعلام البلدية:
عام 2016، أصابت قناصة الاحتلال الإسرائيلي الشاب رائد الدحدوح خلال مشاركته في مسيرات العودة على الحدود الشرقية لمدينة غزة. هذا الحدث كان مفصليًا في حياة الدحدوح، حيث انطلقت رحلة طويلة لتلقي العلاج ومحاولات تجنب عملية بتر الساق في مستشفيات قطاع غزة، وخضع لعلاجات مكثفة وعمليات جراحية، لكن دون جدوى.
فشلت رحلة العلاج في الحفاظ على قدم الشاب الدحدوح بعد مرور سنوات عديدة، واضطر الأطباء لأخذ قرارٍ ببتر القدم، ما كان له الأثر الكبير على الصعيدين البدني والنفسي.
ويصنف قطاع غزة من أكثر المناطق التي يعيش فيها أفراد من ذوي البتر في العالم، حيث تحتل ممارسات الاحتلال الإسرائيلي المركز الثاني في مسببات البتر، بعد مرض السكري الذي يتربع في المركز الأول، بحسب مدير مركز الأطراف الصناعية والشلل التابع لبلدية غزة محمد دويمة.
طموح وإصرار
لم يكن اليأس هو الخيار الذي اختاره الدحدوح، رغم أنه عانى في بداية مشواره بعد بتر القدم كثيرًا، بل كان هناك طموح وإصرار لا يقهر على استعادة جزء من حياته التي اختلفت بسبب البتر، مؤكدًا ذلك بقوله: "لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس".
هكذا، أخذ يبحث الدحدوح عن مخرج لهذا الوضع الصعب، إلى أن وجد المخرج في مركز الأطراف الصناعية والشلل التابع لبلدية غزة، الذي لعب دورًا مهمًا في إعادة تشكيل ملامح حياته من جديد.
وفور وصوله إلى المركز، وجد الدحدوح نفسه في بيئة تهتم بالجانب الإنساني والطبي بالتساوي، حيث تعاون طاقم المركز معه وقدموا له الرعاية الشاملة التي يحتاجها، حيث تم تقييم حالته بعناية فائقة من قبل فريق يضم استشاري جراحة العظام وأخصائيين أخذوا في اعتبارهم كافة جوانب العلاج اللازمة.
ويقول الدحدوح: توجهت إلى مركز الأطراف الصناعية والشلل، ووجدت استقبالاً وترحيبًا، وحجزت موعدًا في العيادة، وعندما حان الموعد توجهت إلى هناك حيث أجرى الطبيب الفحوصات السريرية اللازمة وتقييمًا شاملاً لحالتي، وكانت التوصية بحاجتي لعلاج طبيعي مكثف لمدة 3 شهور.
الدعم النفسي
لم يقتصر دور المركز فقط على إجراء الفحص والتقييم والبدء برحلة العلاج الطبيعي فحسب، بل تجلى دوره أيضًا في تقديم الدعم النفسي اللازم للشاب الدحدوح، فقد تراكمت تأثيرات رحلة العلاج الطويلة على حالته النفسية، وكان هناك حاجة حقيقية لمساعدته في تجاوز الألم النفسي واستعادة ثقته بنفسه.
ويضيف الدحدوح بنبرة ممزوجة بين الفرح والألم: "قبل تركيب الطرف وتلقي العلاج اللازم في مركز الأطراف الصناعية كنت أعاني معاناة شديدة، وكنت أتساءل دومًا كيف سأمارس حياتي الطبيعية؟! كيف سأمشي مع الناس؟! كيف سأذهب إلى عملي؟! كيف سأسير إلى جانب زوجتي وأبنائي؟! جميعها أسئلة لم أجد لها إجابات، ليس ذلك فقط بل كنت محرجًا من وضعي الجديد، إلى أن بدأت رحلة العلاج الطبيعي والنفسي في المركز وبدأت نفسيتي تتحسن تدريجياً".
وبالتوازي مع رحلة العلاج النفسي، تم أخذ المقاسات الخاصة بالطرف الصناعي ووضع خطة شاملة للتدريب والتأهيل على استخدام الطرف الجديد الذي يتم تصنيعه داخل مركز الأطراف الصناعية على أيدي الفنيين والأخصائيين المهرة. كما شمل التدريب الجانب المعنوي أيضاً من حيث تشجيعه وتعزيز ثقته بقدرته على العودة إلى الحياة اليومية.
عودة الأمل
تأثير مركز الأطراف الصناعية تجاوز عملية تجهيز الطرف الجديد، ليصل إلى الاهتمام بتقديم الرعاية المتكاملة للدحدوح، حيث تم توفير الرعاية التأهيلية اللازمة والدعم النفسي بشكل منسجم، مما ساهم في تحسين حالته بشكل ملحوظ.
اليوم، وبفضل دعم مركز الأطراف الصناعية والشلل التابع لبلدية غزة، يعيش الدحدوح حياة جديدة تمامًا، وبإمكانه العمل بشكل طبيعي في مهنته السابقة كـ"فني دهان وطلاء منازل"، إضافة إلى قدرته على المشاركة في الأنشطة والفعاليات بكل ثقة.
ويؤكد الدحدوح على ذلك بالقول: "بعد أن استلمت الطرف الصناعي عادت حياتي إلى طبيعتها وأصبح لديّ القدرة الكاملة على ممارسة حياتي بشكل أفضل من السابق، عملي وتحركاتي وحياتي الاجتماعي والعائلية تحسنت بفضل الله أولاً ومن ثم مركز الأطراف الصناعية الذي أعاد الأمل لحياتي".
مركز الأطراف الصناعية سعى جاهدًا لتحسين حياة الشاب الدحدوح بتركيب طرف صناعي له، وإعادة ثقته بنفسه وبقدرته على تحقيق أهدافه وبإعادة دمجه في المجتمع. وهنا يبرز دور المركز في إعادة بناء حياة الأفراد الذين يعانون من البتر أو الإعاقة، من خلال تقديم الرعاية الشاملة لهم.
ويقدم المركز خدماته لـ 3500 حالة سنويًا، عبر 6 برامج أساسية هي: برنامج الأطراف الصناعية، وبرنامج الأجهزة التقويمية، وبرنامج القدم الحنفاء، وبرنامج القدم السكرية، وبرنامج الكراسي المتحركة، وبرامج العلاج الطبيعي والدعم النفسي".
وتجسد قصة الشاب الدحدوح رسالة المركز في تقديم الدعم والتأهيل والتدريب اللازم لذوي الإعاقة والبتر عبر برامج المركز المختلفة لتحقيق تحسن شامل في حياتهم وإعادة دمجهم في المجتمع.
يذكر أن "مركز الأطراف الصناعية والشلل والأجهزة التقويمية" التابع لبلدية غزة تأسس عام 1974 كأول مركز يقدم خدمة للأشخاص ذوي الإعاقة والبتر في مدينة غزة.