اعلام البلدية:
ما من زائر للمقر الرئيسي لبلدية غزة الكائن في ميدان فلسطين "الساحة"، إلا ويتعلق بصره بعد عبور البوابة الرئيسية بمدفع صغير مثبت أعلى عمود خرساني ذو شكل هندسي معين صنع من أجل الحفاظ على هذا الإرث التاريخي.
ويحظى هذا المدفع بأهمية كبيرة أدركتها بلدية غزة قبل سنوات طويلة لارتباطه بالعهد العثماني في فلسطين التاريخية، وهو يعود لحقبة القرن التاسع عشر.
وكان هذا الإرث التاريخي يستخدم تحت مسمى مدفع رمضان في العهد العثماني، وخصص حينها للإعلان عن موعد الإفطار خلال أيام الشهر الفضيل.
لكن تداعيات الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة طالت هذا المدفع وحالت دون استمرار عمله وحرمت المدينة الأكثر اكتظاظًا بالسكان من بين محافظات القطاع، من سماع صوته.
ويشتهر استخدام مدفع رمضان ضمن ظاهرة تنتشر في غالبية الدول العربية والإسلامية عند حلول موعد الإفطار والإمساك عن الطعام.
وحسبما يفيد المؤرخ الفلسطيني سليم المبيض، فإن المدفع الذي تحفظه بلديه غزة بمقرها، تعود أصوله إلى الدولة العثمانية، منقوش عليه شعارها المعروف بـ"الطغراء".
آلية الإطلاق
ويذكر المبيض، الآلية التي كان يعمل بها مدفع رمضان قبل عشرات السنين، حيث كان يسكن حي الشجاعية شرق مدينة غزة، ويتابع باهتمام شديد إطلاق المدفع.
وقال: إن إطلاقه كان يرتبط مباشرة بموظف من الأوقاف الإسلامية مهمته الصعود أعلى مئذنة المسجد العمري الكبير والتلويح براية عند حلول موعد آذان المغرب، إيذاناً بإطلاق المدفع.
كان حينها المبيض يراقب وأصدقائه باهتمام شديد من حي الشجاعية التلويح بالراية التي كانت تعني إطلاق المدفع من أعلى كثبان رملية كانت في منطقة متنزه بلدية غزة المطل على شارع عمر المختار حاليًا.
وتابع: إن رجلاً كان يتولى مسؤولية إطلاق مدفع رمضان يوميًا للإعلان عن موعد الإفطار، حتى أنه انفجر به في إحدى المرات، وسبب له جروح.
وأكد المؤرخ الفلسطيني أن مدفع رمضان يحمل رمزية أثرية، ولجوء بلدية غزة إلى وضعه أعلى نصب تذكاري في مقرها الرئيسي خطوة مهمة من أجل الحفاظ على هذا الإرث التاريخي ذو القيمة الإسلامية.
توقف المدفع
وأشار المبيض إلى أن توقف سماع أهالي مدينة غزة صوت مدفع رمضان تزامن مع الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة عام 1967.
وهذا ما يؤكده نهاد المغني المدير السابق للهندسة والتخطيط في بلدية غزة، إذ بين أنه نتيجة الظروف السياسية التي رافقت احتلال "إسرائيل" قطاع غزة توقف مدفع رمضان عن العمل، وتعرض بعدها للإهمال، واحتفظت به بلدية غزة لسنوات في مخازنها.
لكن بعد تشكيل أول مجلس بلدي لبلدية غزة برئاسة الراحل عون الشوا، في يوليو/ تموز 1994 بقرار من الرئيس الراحل ياسر عرفات، قررت البلدية إخراج مدفع رمضان من عتمة المخازن، وترميمه بإيعاز من الشوا، وفق المغني.
وبالفعل تحقق ذلك وتلاه تأسيس منصة خاصة بمدفع رمضان في المقر الرئيسي للبلدية إيماناً بأهميته الأثرية والتاريخية.
وعد المغني احتفاظ البلدية بهذا الإرث التاريخي يشكل رمزية تاريخية لا تقتصر على المدفع لوحده، بل تمتد لتشمل مدينة غزة التي تحتفظ بتاريخ عريق تعاقبت عليها الحضارات، وهي تحظى بأهمية كبيرة من بين محافظات القطاع من حيث الموقع والمساحة والسكان.
وتابع المغني: أن بلدية غزة وضمن دورها الطبيعي تحفظ موروث المدينة وتمنحه مزيداً من الاهتمام على اعتبار أن ذلك يؤرخ للمدينة تاريخياً وحضارياً.